كشفت صحيفة "الاخبار" ان من أصل 1.139 مليار دولار هي قيمة حقوق السحب الخاصة التي حصل عليها لبنان في أيلول 2021، أُنفق حتى نهاية كانون الثاني 2023 نحو 747 مليون دولار. لم تتخذ قرارات واضحة بهذا الإنفاق في مجلس الوزراء، بل إن قسماً كبيراً منها حصل بقرار إفرادي من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وفي النتيجة بُدّد القسم الأكبر من هذه الأموال من دون أي تخطيط أو أولويات.
ولفتت الى انه في اجتماع اللجان المشتركة النيابية الذي عُقد الثلاثاء الماضي لمناقشة الانتخابات البلدية والاختيارية وكلفة إجرائها، طرح النائب سامي الجميل تمويلها من خلال استعمال حقوق السحب الخاصة SDR. ردّ النائب علي حسن خليل برفض الاقتراح أشعل سجالاً من «العيار الثقيل» بين النواب، في مشهد شديد السريالية، خصوصاً متى ما عُرف بأن «الجنازة حامية»، فيما القسم الأكبر من هذه الأموال بُدّد من دون أي تخطيط للأولويات والأهداف.
واوضحت الصحيفة انه في أيلول 2021، حوّل صندوق النقد الدولي إلى مصرف لبنان 607.2 مليون وحدة من وحدات الحقوق الخاصة في إطار التوزيع العام لمخصّصات حقوق السحب التي نفذت في تلك الفترة لدعم سيولة البلدان الفقيرة إثر جائحة كورونا. استعجلت الحكومة بيع حصصها هذه مقابل 1.139 مليار دولار. يومها راج كثير من الكلام عن ضرورة إنفاق هذه الأموال بطريقة واضحة وبقرارات من مجلس الوزراء. ورُميت اقتراحات من نوع تخصيص قسم من الأموال لمشاريع الكهرباء، أو إنفاقها على الضمان الاجتماعي وغير ذلك... لكن، عملياً، لم يخرج الأمر عن إطار الطروحات الفردية. فيما مدّت الحكومة يدها على هذه الأموال من دون أي تخطيط أو رؤية واضحة، تماماً كما مدّ مصرف لبنان يده على الموجودات بالعملة الأجنبية مبدّداً أكثر من 22 مليار دولار منها.
اليوم، أي بعد مرور نحو عام ونصف عام، لم يبق من قيمة حقوق السحب الخاصة سوى 392 مليون دولار. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن حكومة ميقاتي أنفقت، بقرارات فردية من ميقاتي نفسه أو بقرار منه وبعلم وزير المال يوسف خليل وبعض الوزراء أو بقرارات اتخذت في مجلس الوزراء، نحو 747 مليون دولار، أي ما يوازي 70% من إجمالي المبلغ، أُنفقت غالبيتها في تمويل نفقات استهلاكية لا يمكن تحديد مستوى الحاجة إليها أو فعاليتها.
وبحسب جدول صادر عن وزارة المالية لغاية تاريخ 27/1/2023، يتبيّن أن دعم الأدوية استهلك 243.7 مليون دولار من المبلغ، ويرجح أن تزداد حصة الأدوية بعدما طلبت وزارة الصحة تمويلاً إضافياً بقيمة 25 مليون دولار شهرياً على مدى 3 أشهر، أي ما يوازي 75 مليون دولار. كما حصلت مؤسّسة كهرباء لبنان على 223.4 مليون دولار، وأُنفق 121.3 مليون دولار لدعم شراء القمح، و13.2 مليون دولار لتغطية نفقات خاصة لإصدار جوازات السفر، و683 ألف دولار رسوم قانونية لوزارة العدل، و34.9 مليون دولار لقاء رسوم خاصة بحقوق السحب (SDR charges)، و109.8 مليون دولار لقاء ما وضعه وزير المال في خانة «القروض» من دون أي توضيح إضافي. علماً بأن الخليل سبق أن اقترح في جلسة مجلس الوزراء، في 14 نيسان 2022، استخدام حقوق السحب لتسديد المستحقات الدولية المتوجبة على لبنان، وغالبيتها عبارة عن اشتراكات مستحقة لصناديق ومؤسسات عربية ودولية. وقد طُلبت من الوزير يومها لائحة بهذه الاشتراكات، وكُلّف بالتفاوض مع الجهات المُقرِضة لإعادة جدولة الديون وتقرّر منح المالية سلفة خزينة لدفع بعض هذه المستحقات. إلا أن الخليل لم يقدّم أي لائحة ولم يرضخ لقرار المجلس، بل طلب من حاكم مصرف لبنان تسديد المستحقات من حقوق السحب الخاصة بسبب عدم قانونية فتح اعتماد لها بالليرة على ما ذكره؛ ووافق سلامة سريعاً على طلبه!
ما سبق هو نموذج عن آلية إنفاق القسم الأكبر من هذه الأموال، علماً بأن تسارع عملية صرف هذه الأموال بدأ يظهر اعتباراً من نيسان 2022. قبل ذلك، كان ميقاتي يزايد في رسم الخطوط الحمر واضعاً خططاً وهمية كشرط للمسّ بدولار واحد من الـSDR وعلى رأسها معمل للكهرباء أو تمويل خطة للنقل العام. وفُتح نقاش واسع في مجلسيّ الوزراء والنواب حول وضع أهداف واضحة لاستخدام المبلغ سواء لتمويل البطاقة التمويلية أو بناء معامل إنتاج كهرباء أو مشاريع أخرى ذات طابع استثماري لدعم نهوض الاقتصاد. آنذاك خَلُص النقاش إلى ضرورة التمهل في اتخاذ أي قرار باعتبار أن المسألة «حساسة» وتتعلّق بذخيرة الدولة المتبقية في أيامها الصعبة، خصوصاً أن ثمة نموذجاً فاشلاً ماثلاً أمام كل القوى السياسية، وهو طريقة إدارة مصرف لبنان (بالاشتراك مع غالبية هذه القوى) للموجودات بالعملة الأجنبية. ولأن غالبية هذه القوى تعاونت وغطّت تبديد المليارات والأموال العامة، عمدت أيضاً إلى تبديد حقوق السحب وأثبتت أنها ليست أفضل من سلامة، بل بات كل وزير يحسب نفسه حاكماً بأمره، ويقدّم اقتراحاً لإنفاق جزء من حقوق السحب وفق ما يراه كأولويات، فيحصل على توقيع مجلس الوزراء لصرفها.
هكذا، بُدِدت دولارات الوحدات الخاصة ولم يتبق منها سوى نحو 392 مليون دولار، يتوقع ألا تصمد أكثر من ستة أشهر. عندها لن يكون أمام الحكومة سوى العودة إلى استخدام ما تبقى من موجودات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية التي تتضاءل هي الأخرى.